أعلن المكتب الإقليمي لحفظ التراث الثقافي في الوطن العربي (إيكروم – الشارقة) منذ فترة عن تمديد الموعد النهائي لقبول طلبات المشاركة في جائزة ايكروم- الشارقة للممارسات الجيدة في حفظ وحماية التراث الثقافي في المنطقة العربية لغاية الأول من ديسمبر 2019، في خطوة ملفتة تسمح للمزيد من مشاريع حفظ التراث الثقافي، ذات الأهمية البالغة للمجتمع المحلي أو المجتمع الأوسع، الاستفادة من هذه الفترة الزمنية الإضافية والتقدم للجائزة.
وتعتبر هذه الجائزة واحدة من أهم جوائز التراث الثقافي في المنطقة العربية، وتم إطلاقها قبل نحو عامين برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة. وتُمنح هذه الجائزة مرة كل سنتين، وتهدف إلى تكريم ومكافأة الأعمال المتميّزة التي تسهم في حماية التراث الثقافي المادي وإحيائه في العالم العربي. وتضم الجائزة فئتين رئيسيتين، هما فئة المواقع والمباني، وفئة المجموعات، وسيتم منح جائزتين وفقاً لذلك.
ورغم عمرها القصير نسبياً، إلا أن الجائزة استطاعت أن تحظى باهتمام كبير من قبل المهتمين والمتابعين لشأن التراث الثقافي في المنطقة العربية والعالم، وعكست حاجة حقيقية للتعريف بالمشاريع الرائدة والملفتة التي تعنى بالحفاظ على الهوية الثقافية والتراث الغني والمتنوع في المنطقة العربية والاحتفاء به. واستقطبت الجائزة أعداداً كبيرة من مشاريع التراث الثقافي في دورتها الأولى قبل عامين، وتنوعت هذه المشاريع والمجالات التي تغطيها، كما تعددت الدول التي تمثلها، حيث شملت القائمة القصيرة 14 مشروعاً متميزاً من مصر، والجزائر، وفلسطين، وسورية، والمملكة العربية السعودية، ولبنان، وعُمان، والأردن، واليمن.
وعلى الرغم من فوز مشروع واحد بالجائزة في دورتها السابقة، وهو مشروع إحياء المركز التاريخي في بيت ساحور، فلسطين، إلا أن جميع المشاريع الـ 14 التي تم اختيارها حصلت على التكريم والتقدير الذي تستحقه من خلال اختيارها جميعاً ضمن القائمة القصيرة للمشاريع المرشحة للجائزة من بين العشرات من المشاريع المتقدمة. كما تم تكريم جميع هذه المشاريع ضمن حفل الجائزة الذي أقيم في الشارقة في فبراير من عام 2018.
وبينما نسلط الضوء في هذا التقرير على أهم المشاريع التي تم اختيارها ضمن القائمة القصيرة للجائزة في دورتها السابقة من منطقة شمال أفريقيا، ونعني هنا ثلاثة مشاريع متميزة من مصر والجزائر، يحذونا الأمل أن تكون هذه المشاريع حافزاً حقيقياً لمشاريع أخرى مماثلة من كافة الدول العربية في منطقة شمال أفريقيا، من المغرب مروراً بالجزائر وتونس وليبيا ومصر ووصولاً إلى السودان، وكافة الدول العربية من المحيط إلى الخليج للترشح والمنافسة للحصول على جائزة ايكروم- الشارقة للممارسات الجيدة في حفظ وحماية التراث الثقافي في المنطقة العربية في دورتها الحالية، والتي سوف يعلن عن الفائز بها في حفل كبير يقام أوائل العام القادم في مدينة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد يكون من المناسب في هذا الصدد التذكير بشروط المشاركة في المسابقة، والتي تسمح لأي عضو مؤهل لتمثيل مشروع حفظ التراث الثقافي في المنطقة العربية أن يتقدم للمشاركة في المسابقة، سواء كان المشروع تم تنفيذه من قبل المؤسسات العامة أو الخاصة أو مؤسسات القطاع المشترك أو بمبادرات القطاع الخاص. بينما لايتم الأخذ بعين الاعتبار حجم أو ميزانية المشروع، بل الأثر الاِجتماعي الذي يشكله على أصحاب العلاقة، كالمجتمع المحلي الذي يعتبر نفسه “مالك” هذا التراث، أو المجتمع المستفيد منه، والفرص التي يتيحها من خلال إعادة استخدام التراث أو زيادة تقديره من الجمهور العام. كما ينبغي أن يكون العمل قد أنجز خلال السنوات الثلاث الماضية، ويمكن تقديم المشاريع التي ما تزال قيد التنفيذ إذا كان قد تم إنجاز جزء كبير منها بنجاح وإذا كانت أيضاً تفي بالمعايير المطلوبة.
وفيما يلي ملخص عن أهم المشاريع التي تم اختيارها ضمن القائمة القصيرة للجائزة في دورتها السابقة من منطقة شمال أفريقيا.
الموقع الأثري الروماني بتيبازة، الجزائر
تعتبر مدينة تيبازة التي تطل على ساحل البحر المتوسط واحدة من أهم الوجهات السياحية في الجزائر، وتقع إلى الغرب من العاصمة الجزائر. وأكثر مايميز هذه المدينة، إضافة إلى شواطئها الجميلة، مجموعة فريدة من الآثار التي خلّفتها الحضارة الرومانيّة القديمة، ومن بين الآثار الحاضرة في المكان يبرز الموقع الأثري لتيبازة، المدرج على قائمة التراث العالمي لليونسكو، وهو ذو شهرة كبيرة في الجزائر والعالم بأسره.
أما المشروع الذي تم اختياره ضمن قائمة المشاريع القصيرة المرشحة للجائزة فأنجزته مؤسسة إسراء للإعلام حول إعادة تجسيد الموقع الأثري الروماني بتيبازة بطريقة افتراضية وباستعمال التقنيات المتطورة 3D، وذلك بالاستعانة بكافة المخطوطات والتصاميم التاريخية المحفوظة، وبمصادقة الخبراء والباحثين في علم الآثار التابعين للديوان الوطني لتسيير الممتلكات الثقافية المحمية واستغلالها. والمشروع موجه لكافة الجمهور بمختلف الأعمار والمستويات وهو يخاطب الزائر بلغة العصر، وبلغة الشباب على وجه الخصوص، والهدف منه تسهيل المفاهيم التاريخية وتقديم المعلومات في الموقع بطريقة مبسطة لتكون في متناول الجميع.
ومن بين العديد من الأهداف التي يسعى المشروع إلى تحقيقها يبرز الإصرار على احياء التراث الثقافي؛ واستقطاب عدد أكبر من الزوار للموقع لزيادة الواردات ودفع المصاريف الخاصة بحمايته، وكذلك المواقع الأثرية الأخرى الموجودة بالجزائر إن أمكن؛ واستقطاب فئة الشباب للاهتمام بالموروث الثقافي التاريخي باعتماد أساليب حديثة تجذب هذه الفئة وتتماشى مع التقنيات الحديثة التي تعد لغة الجيل في هذا اليوم؛ وتنمية قدرات الخيال المعماري عند الشباب، وذلك بإبراز الفنون المعمارية القديمة والأساليب المستعملة آنذاك.
إعادة إحياء الآثار المتضررة من تفجير متحف الفن الإسلامي بالقاهرة
يعتبر متحف الفن الإسلامي بالقاهرة من أهم المتاحف العالمية في حفظ التراث الإسلامي، نظراً للمجموعة الفريدة التي يمتلكها والتي تعود إلى فترات متعاقبة من التاريخ الإسلامي. تعرض المتحف لأضرار كبيرة نتيجة للتفجير الإرهابي الذي استهدف مبنى مديرية أمن القاهرة المقابل له في عام 2014. وقد تأثر مبنى المتحف على نحو مباشر، وتناثرت مقتنياته الثمينة في كل مكان، داخل واجهات العرض في المتحف وخارجها، مهددة هذه المجموعة التاريخية الفريدة بأضرار بالغة قد يصعب تعويضها. ولمواجهة هذه الكارثة، تضافرت الجهود لدى العاملين بالمتحف لإنقاذ تلك الآثار والحفاظ عليها للأجيال القادمة، نظراً لأهميتها التاريخية والثقافية، حيث تعكس هذه المقتنيات التاريخ الإسلامي بمختلف فتراته وثقافاته.
كان الملفت في مشروع الترميم أن الخطة التي تم وضعها لإنقاذ مقتنيات المتحف اعتمدت بشكل أساسي على الجهود الذاتية والتكافلية لمختبر الترميم وما وفرته وزارة الآثار من مواد وخامات ومستلزمات لعملية الترميم بالإضافة إلى المساهمات الدولية والمحلية البسيطة، إذ أن عملية الترميم لم تكن تحتاج إلى تكاليف مادية ضخمة بقدر حاجتها للتكاليف والمهارات الفنية الدقيقة التي اعتمدت على خبرات المختصين بالترميم، ومهارتهم وحسن تدريبهم علميا وعمليا وكذلك حماسهم وإحساسهم بالمسؤولية العظيمة نحو تراث وطنهم وحضارته العريقة.
ونتيجة للجهود الكبيرة التي بذلها فريق العمل من المرممين والمحافظين، تم افتتاح متحف الفن الإسلامي مجدداً في يناير 2017 وعادت الآثار إلى أماكنها بعد ترميمها لتبقى شاهدة على تاريخ صانعيها وحضارتهم الشامخة، وأيضا لتشهد على أنه إذا كانت هناك يد أرادت التدمير والفناء، فهناك أيادٍ قادرة على العطاء والتشييد والبناء.
مشروع ترميم المسرح القومي وتطويره، القاهرة، جمهورية مصر العربية
يركز هذا المشروع على أعمال الصيانة والترميم والتطوير التي تمت في المسرح القومي بالقاهرة بإشراف وإدارة المجلس الأعلى للآثار مشروع تطوير القاهرة التاريخية على أثر الحريق الذي تعرضت له خشبة المسرح وصالة العرض في مساء يوم 27 سبتمبر من عام 2008 وأدت إلى أضرار بالغة في جميع عناصر مبنى المسرح.
بدأ مشروع الترميم في شهر يونيو من عام 2009، ثم توقف لفترة طويلة أثناء ثورة 25 يناير 2011، قبل أن يعاود العمل في الموقع مرة أخرى في عام 2014 حتى منتصف 2015 حين انتهت الأعمال الفنية بالموقع بتكلفة مادية وصلت إلى حوالي 6 مليون دولار.
والملفت في مشروع ترميم المسرح القومي أن فلسفة ومنهجية الحفاظ على الموقع اتبعت سياسة التدخل الأدنى في العناصر الأصيلة بالمسرح وارجاع العناصر الزخرفية إلى أصولها وقت الإنشاء بعد إجراء العديد من الدراسات الأثرية لمعرفة تصميم تلك الزخارف وإبراز قيمتها.
كان لمشروع ترميم المسرح القومي تأثير هائل على جموع الفنانين نظراً لتاريخه الطويل والعريق الذي يعود لسنوات طويلة، واعتبر الفنانون عودة أضواء المسرح مرة أخرى بمثابة عودة الروح لهم. أما على الجانب الأثري فقد كان لمشروع المسرح دور كبير في تشغيل عشرات ومئات التخصصين في الترميم والمهندسين والعمال أثناء فترة تنفيذ المشروع، وكان المشروع مدرسة تدريبية على فنون الترميم بخاماتها المختلفة.