الرئيسية » المجتمع » سرطان العمل الجمعوي إلى أين من النظال الى التكالب؟

سرطان العمل الجمعوي إلى أين من النظال الى التكالب؟

ابو عمر الصويري – بتصرف

أصبح العمل الجمعوي  يعيش انحرافات كثيرة عن تعريفه ومفهومه وعن وظائفه وخصوصياته وجوهره وأهدافه ومراميه النبيلة، من طرف جمعيات أصرت على تمييعه وإفراغه من لبه وتميزه الخاص حتى أضحى العمل الجمعوي يجد نفسه وسط دوامة ينخر جسده المريض سرطان الفساد ، وهكذا أصبحت بعض الجمعيات جمعيات للفساد بامتياز يمارس فيها المفسدون هوايتهم المعهودة للكسب الغير المشروع ، والنتيجة أننا أصبحنا أمام مظهر جديد من مظاهر الفساد يمكن تسميته بالفساد الجمعوي.ولعل السبب الأساسي لهذا السرطان يكمن في ظاهرة الاستنساخ والتفريخ الذي يراد به تمييع المشهد الجمعوي وخلط الحابل بالنابل والصالح بالطالح من أجل إفراغه من مضمونه وجوهره وأهدافه ومراميه النبيلة ، وبات تأسيس جمعية في مدينة أسهل من إضرام النار في الهشيم، فكم من جمعية تأسست بإيعاز من مسؤولين محسوبين على من هم اكبر منهم  وبعض اعضاء المجالس المنتخبة لخدمة أهداف معينة قد يكون الغرض الأساسي من ذلك هو التضييق على جمعية أخرى جادة بتراب الجماعة وحرمانها من حقها المشروع زيادة على محاصرتها والقضاء على أي محاولة لخلق عمل جمعوي بديل وجاد، وكم من جمعية تأسست بدافع من جهات لتعبيد الطريق نحو منحة أو غلاف مالي لمشروع تنشيطي أو تنموي يظل حبرا على ورق ولا يرى النور أبدا، وازدادت ظاهرة تفريخ الجمعيات المرتزقة استفحالا خصوصا بعد دخول المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حيز التنفيذ.. حتى يتسنى لهم الاستفاذة من المولود الجديد .كما ترتبط أزمة العمل الجمعوي بمدينة بتبعية مجموعة من الجمعيات لهيئات سياسية تستغلها وتوظفها خلال حملاتها الانتخابية ومعاركها الكبرى  ناهيك عن حمال الحطب من مرتزقة وشناقة وهمزاويين وبعض لا قطي الفتات وجامعي كلام الاسواق  ولاعقي الاحذية الاماعة  وبعد ذلك تدخل هذه الجمعيات في مرحلة السكون والركود والجمود وتغرق في سبات عميق في انتظار أن يطلب منها الاستيقاظ من النوم وفعل شيء ما من باب حشد الأنصار و الأصوات الانتخابية علهم يفوزون بمقاعد انتخابية، بعدها يهجرون العمل الجمعوي و يتواروا عن الأنظار كأن شيئا لم يكن.

كيف يمكننا التعرف على الجمعيات الفاسدة وتلك التي تسعى إلى الإصلاح ؟

أ- الجمعيات الفاسدة

* الفاسد يكثر الهرج والبهرجة من أجل الإيهام أو من أجل الإظهار إلى العامة والسلطات أنه يعمل وينشط ويكثر من نشر البيانات الرنانة التي يستعمل فيها الدفاع عن المقدسات الوطنية وكأن الدفاع عن مثل هذه المقدسات هي مقتصرة على جمعية أو جمعيات، عن مواطن دون آخر ؟ للتذكير هذا النوع من الاحتكار يرفضه الحق والقانون والعرف والخـُلق وحتى السياسة – في الحملات الانتخابية على سبيل المثال لا الحصر.
* الفاسد يعتدي ويستبق المعتدى عليه إلى السلطات والمحاكم لتقديم دعاوى وكأنه هو الذي اعتدي عليه.
* الفاسد يعمل بالمناسبات، له برنامج يتصادف مع عدة مناسبات كالأعياد الوطنية، والزيارات الرسمية، ويقوم بكل المستطاع أن يقف في الصفوف الأولى المستقبلة للسلطات وتسخير الإعلام من أجل تخليد لحظات المصافحات الرسمية أو أثناء إلقاء الخطابات المبجلة ليس حبا في السلطات ولكن رغبة في دعمها المادي – وهي تعلم ذلك، البليد هو الذي يستبلد ويتحايل على رجال السلطة الذين إبان تكوينهم درسوا مواد لها علاقة بمثل هذه المواضيع.
* الفاسد يغضب غضبا شديدا ويكتب رسائل ساخطة عندما لا يصله الدعم المادي أو يصله عشر ما تلقاه غريمه

ب – الجمعيات النافعة

* أما الصالح ورجل الخير والذي يخجل من أن نسميه جمعويا، فهذا النوع يتميز بالندرة، وهو لا يعرفه إلا القلة من المواطنين، قليل الظهور وعندما يفرض عليه الحضور يحضر محتشما ويتعفف عن إلقاء الخطابات ولا يرغب في أن يلتقط له صورا ولا يستعمل الإعلام إلا عند الضرورات.
*الصالح يدعم ولا ينتظر دعما من السلطات، فهو مثل ذلك الكريم الذي كنا نسمع به ولا نراه أبدا والذي كان يشتري أضحية للفقراء الذين يجدون كبشا عند بابهم وحيدا بعد سماعهم القرع على بابهم. وهذا النوع قليل جدا.
*الصالح يعطي ولا يأخذ ولا ينتظر دعما من أي أحد لا المقربين كعائلته أو أصدقائه ولا السلطات، فهو ما يمكن أن نطبق عليه مأثورة : اليد اليسرى لا تعرف ما تنفقه اليد اليمنى.

ختاما على كل من يدعي أنه من الناشطين في العمل الجمعوي أن لا يطبل من أجل الحصول على المساعدات، ويجب أن لا يغيب عن ذهنه ولو قيد أنملة أنه مهما كان قدر الإعانة أنها مال عام أي أنه مال المواطنين ويجب عليه أن لا يتصرف فيه حسب هواه وأن لا يلهث وراء السلطات ويلحس الأحذية ويقوم بكل ما من شأنه أن يقرع آذان من يتصرف بتوزيع المساعدات العامة من أجل الحصول على أكبر قدر من المال – والغريب أو المأساوي أن هذا النوع من الجمعويين لا عمل لهم، مهنتهم الوحيدة : فاعل جمعوي أو ناشط جمعوي أو جمعوي متطوع، ومنهم من يتخذ العمل الجمعوي كإضافة إلى عمله المهني، فهو عنده من الكماليات التي تدر أرباحا إضافية، ولأجل هذا يجب إعادة النظر في هذه “المهن” وتقنينها لأن هناك فوضى وفراغ قانوني في هذا المجال لا بد من توضيحه ومحاسبة من يستعمل المال العام بدون متابعة.

الظاهرة الجديدة في العمل الجمعوي والتي يجب التسطير عليها وهي ظاهرة للأحزاب السياسية يد طولى فيها، تخص إنشاء جمعيات عدة وفي كل المجالات أهدافها المكتوبة لا علاقة لها البتة بالأهداف الحقيقية، هذه الجمعيات التي تنمو كالفطر هي خلايا سياسية تنشط لخدمة أحزابها الأم وبأحفير أصبحت جمعيات مدنية يراها المواطن من خلال الوجوه التي تسيرها أنها خلايا سياسية لأحزاب وطنية معروفة على الساحة المحلية والوطنية.

أتمنى أن ينشر هذا المقال لأنني حرصت على تجنب ذكر الأسماء والجمعيات والأحزاب والسلطات اللهم إذا كان ذلك إيحاء أو سهوا مني، فلكم كامل التصرف والصلاحية في إخفاء ما لا يحترم شروط النشر أو ما تعتبرونه إشارة إلى شخص معين. إذن لكم واسع النظر.
ولتكونوا مخلصين ومساندين لكل خطوة تحارب الفساد بكل أنواعه.

وحتى لا نتهم بالعدمية أو التعميم المجحف، وإنصافاً للمخلصين من المناضلين في هذه الواجهة (واجهة العمل التطوعي)، فلا بد من الإشارة إلى أنه قد نجد داخل هذه الجمعيات مناضلين شرفاء شعارهم النّزاهة يبذلون قصارى جهودهم لمحاربة هذا النوع من الفساد المتدثر برداء الإحسان .. لكن، الفشل غالباً ما يكون حليفاً لهم على اعتبار أن الفساد مستشرٍ عمودياً وأفقياً .. أو بعبارة شاملة جامعة: “للفساد رب يحميه”.

وخلاصة القول، أن العمل الجمعوي عمل تطوعي غير ربحي .. لكن، مجموعة من الأشخاص استغلوا هذا العمل النبيل لأهداف شخصية، مما جعل الفساد يسيء إلى المؤسسات الجمعوية والخيرية.

تحياتي وشعارنا دائما: لنقل الحقيقة ولو كانت مرة. أخطاؤنا خطوة أولى في صلاحنا إذا اعترفنا بها وتجنبناها.
وفقكم الله جميعا، المصلح والمذنب التائب.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *