اتفاق القاهرة يمهد “لتنسيق إجباري” بين فتح وحماس وباقي الفصائل لإنقاذ ما تبقى من فلسطين
انتظر رئيس المخابرات المصرية حتى انتهى ممثلو الفصائل من إلقاء كلماتهم.
ثم تقدم نحو المنصة ليصارحهم بالموقف الحرج الذي يواجههم.
قال اللواء عباس كامل: لا تفهموني خطأ، لكن لا بدّ أن تخرجوا من هذا الحوار متفقين.
أضاف مازحاً: سأطلب من رئيس الوزراء إغلاق جميع المعابر الجوية والبرية والبحرية حتى لا تخرجوا قبل اتفاقكم.
إنها فرصة تاريخية، وأمامنا خياران، ننجح أو ننجح.
وكان ذلك في افتتاح جلسة الحوار الفلسطيني بالقاهرة، فبراير 2021.
اجتماعات الفصائل الفلسطينية في القاهرة، التي استمرّت ليومين من دون تمديد، كانت أقرب إلى الاستكشاف منها إلى وضع النقاط على الحروف.
انتهت الحوارات بإصدار بيانٍ يتضمن جدولَ سيرِ الانتخابات، التي تنعقد مرحلتها التشريعية في مايو 2021.
أبرز النقاط الخلافية التي تمّ حلّها تشكيل “محكمة قضايا الانتخابات” بالتوافق بين قضاة القدس والضفة المحتلة وقطاع غزة، لتتولّى هذه المحكمة “حصراً دون غيرها من الجهات القضائية متابعة كلّ ما يتعلق بالعملية الانتخابية ونتائجها، والقضايا الشائكة”.
تضمّن بيان القاهرة جملة قرارات رحّب بها كثيرون “كخطوة على طريق إنهاء الانقسام”، فيما رأى آخرون أنها “عموميات لا تناقش تفاصيل الملفات الساخنة المختلَف عليها بين حركتَيْ فتح وحماس”، وأن هناك “ألغاماً قابلة للانفجار في أيّ وقت”.
العموميات أخذتهم بعيداً عن الخلافات الأساسية، وقالوا: نحتاج إلى تجنب الخوض في التفاصيل الصغيرة التي يمكن أن تعرقل العملية.
فهل التفاصيل الخلافية صغيرة فعلاً؟
وهل الاتفاق مرشح للنجاح، والوصول بالسفينة الفلسطينية إلى بر الوحدة والعمل المشترك لأول مرة منذ عشرات السنين؟
“ما تمّ في القاهرة بداية لبناء الثقة بين الأطراف، وهو ما يبشّر بحلّ القضايا الخلافية التي ستكون معالجتها ضمن مهمّات الحكومة التي سيفرزها صندوق الانتخابات، وهي أيضاً مَن سيعالج كلّ ما تبقى من مشكلات في غزة”.
هذه رؤية القيادي الفتحاوي عبدالله عبدالله، الذي يضيف بحسم: هذه الانتخابات ستُحدّد إمّا أن نكون أو لا نكون… هذه المرّة إن أخفقنا فلن يتساهل المحيط الإقليمي معنا، ولذلك يجب أن ينتهي الحصار، ويجب أن نضحّي من أجل هذا الهدف ونمنع حصاراً موازياً على الضفة.
هي المرة الخامسة التي يُعتزم فيها إجراء انتخابات في جميع أنحاء فلسطين في السنوات الخمس عشرة الماضية منذ إجرائها لآخر مرة في عام 2006.
هذا التقرير يستعرض الأوضاع الراهنة التي تعيشها “فتح” و”حماس”، والضغوط التي تجعل من المصالحة الآن “فريضة وطنية”، تنقذ ما تبقى من فلسطين.
في القاهرة قرّروا تأجيل القضايا الخلافية
فازت حركة حماس في آخر انتخابات تشريعية فلسطينية في 2006، لكن حركة فتح لم تعترف بهذا الفوز، ما أدى إلى انقسام سياسي مستمر إلى اليوم.
عاشت الأراضي الفلسطينية تحت نظامين سياسيين مختلفين في غياب برلمان واحد.
السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس تحكم في الضفة الغربية، حيث يعيش نحو 2,8 مليون نسمة، بينما تدير حماس قطاع غزة المحاصَر الذي يضم نحو مليوني نسمة.
تكررت محاولات الوساطة والصلح دون جدوى على مر السنوات.
لكن الأمر يبدو مختلفاً بعد بيان القاهرة.
اعتبر ممثلو 14 فصيلاً فلسطينياً، منها حركتا فتح وحماس، أن الانتخابات هي بوابة إنهاء 15 عاماً من الانقسام الوطني والجغرافي بين قطاع غزة والضفة الغربية.
وشدّد البيان الختامي على الالتزام بالجدول الزمني لإجراء الانتخابات التشريعية، في مايو، والرئاسية في يوليوز المقبلين، والتعهد باحترام نتائجها وقبولها.
التركيز على الانتخابات يعني أن هناك فرصة أفضل لحل الخلافات بعد الوصول إلى الدرجة الأولى من الاستقرار السياسي.
الملف الأكبر الذي تم تأجيل النظر فيه هو تطوير منظمة التحرير، وإعادة هيكلة أهدافها ودورها السياسي.
وأوّل اختبار لخطة العمل التي اعتمدها بيان القاهرة الأول مراقبة ما دعا إليه البيان بشأن “إطلاق الحريات العامّة، وإشاعة أجواء الحرّية السياسية التي كفلها القانون، والإفراج الفوري عن كلّ المعتقلين على خلفية فصائلية أو لأسباب تتعلّق بحرية الرأي”، ومدى تنفيذ ذلك في غزة والضفة على حدٍّ سواء.
ترى أوساط في “فتح” أن القضايا المفصلية المتعلّقة بإنهاء الانقسام تَقرّر ترحيلها إلى ما بعد الانتخابات، مثل الأمن وموظفي حماس، وسلاح المقاومة، وقال قياديون بالحركة عن تخوفهم من أن الاتفاق ليس سوى “تجديد للشرعيات أمام العالم”.
بينما يرى رئيس وفد “حماس” صالح العاروري، أن “منطلق هذا المسار ليس قائماً على إجراء الانتخابات فقط، بل من موقع مواجهة صفقة القرن، ولذا تواصل الأخ أبو العبد (إسماعيل هنية) مع الأخ أبو مازن (محمود عباس) ومدّا يد التعاون والتنسيق مع حركة فتح والفصائل”.
ما زالوا يدفعون ثمن “عاصفة 2006”
على موقع ويكيبيديا صفحة مستقلة مخصصة لتاريخ الخلافات بين الفصائل الفلسطينية، عنوانها: الانقسام الفلسطيني.
الانقسام يسميه البعض صراع الإخوة، ويشير إلى نشوء سلطتين سياسيتين وتنفيذيتين في صيف عام 2007، إحداهما تحت سيطرة حركة فتح في الضفة الغربية، والأخرى تحت سيطرة حركة حماس في قطاع غزة.
بدأ ذلك بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في مطلع عام 2006.
لكن السجال بين الطرفين بدأ قبل ذلك بكثير.
في عام 1994، ومع قيام السلطة الفلسطينية وتسلمها غزة وأريحا وباقي المدن الفلسطينية، زاد الشرخ تعمقاً بتنفيذ السلطة حملات اعتقالات واسعة تركزت على قيادات حركة حماس وعناصرها وجهازها العسكري، بعد كل عملية ضد الاحتلال.
ومع بداية الانتفاضة الثانية توقف الاعتقال بقوة السلاح وغضب الجماهير.
وشكّل انطلاق انتفاضة الأقصى، يوم 28 شتنبر 2000، مرحلة جديدة، إذ توحّد الفلسطينيون ضد الاحتلال، وشرعوا في حوارات داخلية قادتها مصر وانتهت باتفاق القاهرة بين الفصائل، في مارس/آذار 2005.
لكن عاصفة 2006 مازالت تؤثر على المشهد الفلسطيني بأسره، وليس مجرد العلاقة بين فتح وحماس.
السطور التالية تشرح الأوضاع الراهنة التي تعيشها كل من “فتح” و”حماس”، إلى أن وجد الجميع أنفسهم في لحظة الحقيقة.. والمصالحة الإجبارية.
أزمة فتح تتعمّق بعد اتفاق القاهرة
بات الانقسام الفتحاوي عنواناً لمرحلة الانتخابات.
الحركة الأم انقسمت إلى ثلاثة تيارات:
الأول يقوده الرئيس محمود عباس.
والتيار الثاني يقوده ناصر القدوة ونبيل عمرو، وهو تيار الحرس القديم الذي كان تابعاً للرئيس الراحل ياسر عرفات.
ثم التيار الإصلاحي الذي يقوده محمد دحلان.
ولا يزال مروان البرغوثي الكفة التي سترجح أياً من هذه التيارات في حال انضمامه لأحد التيارات المتنافسة.
جهاد طملية، النائب في المجلس التشريعي وأحد قيادات التيار الإصلاحي في الضفة الغربية، قال إن “اجتماع اللجنة المركزية زاد من تعقيد المشهد الفتحاوي الداخلي أكثر مما هو عليه الآن، فالاجتماع لم يتطرّق إلى مسألة الخلافات مع التيار المناوئ للرئيس عباس، والذي لم يعُد مقتصراً على التيار الإصلاحي، بل بات ضمن تيار تقوده القيادات التي تعرضت لتهميش وإقصاء في عهد الرئيس أبومازن، وتيار رابع قد يقوده البرغوثي بشكل مستقل”.
يضيف فيما يشبه النبوءة القاتمة: البيت الفتحاوي لا يزال يحتاج إلى ترميم قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع.
ولكن في حال أصرّ الرئيس على موقفه برفض المصالحة الفتحاوية، فإن التيار الإصلاحي قد ينضم للتحالف مع التيارات المعارضة للرئيس، بما فيها تيار ناصر القدوة ومروان البرغوثي.
التنافس على منصب الزعامة داخل فتح يتعلق بالسلطة، لكن مشكلة فتح الحقيقية، بحسب ديفيد هيرست، تتعلق بالنظرة إلى هويتها وأهدافها. فهل تريد فتح تحرير فلسطين من الاحتلال، أم تريد أن تحكم بالنيابة عن إسرائيل مهما كانت الظروف التي توضع تحتها.
بصفته القائد العام لحركة فتح ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية يمتلك كل أوراق اللعبة، وهو صاحب القرار، كما يقول المرشح القادم لرئاسة فلسطين د. وليد خالد القدوة.
وها هو الرئيس الفلسطيني محمود عباس يخرج عن صمته، ويهدد بشكل واضح أعلى الهيئات القيادية في حركة “فتح”، اللجنة المركزية والمجلس الثوري للحركة، بأنّه سيستخدم القوة المباشرة ضد أي كادر في “فتح” يخرج عن قرارات الحركة وقائمتها الانتخابية الرسمية.
عباس يهدد المرشحين خارج القائمة بالقتل
عضو المجلس الثوري للحركة، والمتحدث باسمها عبدالفتاح حمايل، الذي قال إن الرئيس “هدد خلال اجتماع المجلس الثوري للحركة، في 26 يناير 2021، بإطلاق النار وقتل كل من يترشح من خارج قائمة فتح”.
هذه التصريحات التي أكدتها مصادر اعلامية فتحت الباب أمام احتمالات دخول الحركة في منعطف الاقتتال الداخلي.
هذه التهديدات جاءت بعد أيام قليلة فقط من إعلان مروان البرغوثي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والمعتقل في السجون الإسرائيلية، نيته الترشح للانتخابات الرئاسية الفلسطينية، وهو ما من شأنه أن يشتت أصوات الحركة، ويضعف من موقفها في الانتخابات القادمة.
وقال عبدالله عبدالله، نائب مفوض العلاقات الدولية في حركة فتح ، إن هناك “إجماعاً فتحاوياً بالالتزام بكل ما يصدر عن قرارات اللجنة المركزية، وأي خروج عنها يمثل تخلياً عن الحركة، وفتح لديها مؤسسات استشارية ونظام قضائي ومحاكم داخلية لإصدار القرار المناسب بحق من يقرر الخروج عن قرار الحركة، لأنه سيتسبب في تشتيت أصوات الحركة وتفكيكها بما لا يخدم المصلحة التنظيمية”.
وتابع المتحدث أنه “ليس لدى حركة فتح اعتراضات في مسألة ترشح أحد القيادات ممن أقيل في السابق، أو قرر التنحي عن الالتزام التنظيمي، ولكن قراره بخوض الانتخابات بقائمة مستقلة لن يلقى تأييداً من قبل الحركة، ولا يحق له استخدام اسم التنظيم أو الحركة كدعاية انتخابية، وهذه المسألة سيتم البت فيها بالتشاور مع باقي الفصائل في الاجتماعات القادمة، سواء في القاهرة أو غزة”.
جبهة ممانعة بقيادة ناصر القدوة
كل المؤشرات والوقائع تؤكد أنّ حركة فتح تمر بأسوأ مراحلها، إلى حد أن بعض رجالها يخشون أن تتعرض لهزيمة في الانتخابات التشريعية.
وظهر الخلاف الفتحاوي قبل اجتماع اللجنة المركزية في 13 فبراير 2021، بعد أن اعتذر عضوها البارز ناصر القدوة عن عدم الحضور.
كانت رسالة رفض وتحدٍّ للمسار الذي يقوده الرئيس محمود عباس في ملفي المصالحة الفتحاوية الداخلية، ومسار الانتخابات.
القدوة تلقى اتصالات من قيادات في فتح لتأسيس قائمة مستقلة تضم نبيل عمرو، وقدورة فارس، وحاتم عبدالقادر، وحسام خضر، وقيادات الحركة الأوائل التي أقصيت في عهد الرئيس أبومازن.
ليست مجرد قائمة انتخابية، بل جبهة ممانعة أمام تحجيم الرئيس محمود عباس للهيئات السياسية التي فقدت تأثيرها وأهميتها في تنظيم الحياة السياسية، كالمجلس التشريعي والمجلسين الوطني والمركزي، واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، مقابل سيطرة السلطة التنفيذية على كل مفاصل المؤسسات الفلسطينية”، كما قال مصدر قيادي في حركة فتح في حوار مع عربي بوست.
هذه القائمة تأتي كمقدمة لانضمام مروان البرغوثي لها ليكون مرشحها في خوض سباق الانتخابات الرئاسية.
ثم البرغوثي من الزنزانة يترشح بقائمة حرس عرفات القديم
تتوجّه الأنظار نحو سجن “هداريم”، حيث يقبع القيادي في حركة “فتح”، مروان البرغوثي.
تتابعت زيارات قيادات فتح إلى السجن، كان أبرزها زيارة عضو اللجنة المركزية حسين الشيخ.
الإعلام العبري اهتمّ بالزيارة، ونقلت القناة “الـ13” عن مصادر فلسطينية أن خلافات نشبت بين الضيف والزائر الذي جاء بصفته مبعوثاً من رئيس السلطة محمود عباس.
عباس عرض على البرغوثي التنازل عن خوض الانتخابات الرئاسية أو التشريعية، مقابل مليونَي دولار لعائلته وحجز عشرة مقاعد له ولِمَن يختاره.
وهذا ما رفضه الأسير، على عهدة جريدة الأخبار اللبنانية.
وفي المقابل، طلب البرغوثي من حسين الشيخ إبلاغ “الرئيس” بثلاثة مطالب:
وضعه على رأس قائمة الحركة في الانتخابات التشريعية.
واختيار “كوتة” من 20 مرشحاً يختارهم البرغوثي.
ومنحه حق النقض (الفيتو) لقبول أو رفض المرشحين الذين تختارهم اللجنة المركزية، كمُمثلي الحركة في الانتخابات التشريعية”.
لكن يبدو أن البرغوثي يعرف مثلنا أن الشروط صعبة القبول، لاسيما إذا كان غريمه في التفاوض رجلاً بمواصفات الرئيس محمود عباس.
عضو “المجلس الثوري لفتح”، حاتم عبدالقادر، قال إن البرغوثي لا يرغب في الترشّح لانتخابات التشريعي، “بل يؤكد اعتماد قائمة فتحاوية موحّدة من اللجنة المركزية يجري اختيارها على أسس ديمقراطية… هو يفكّر في الرئاسة وهذا ليس هدفاً شخصياً، بل جاء طبقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة التي تشير إلى أنه المرشّح الأقوى”.
يقدّر وجود أصوات من الفصائل يمكن أن تصبّ في رصيده بما في ذلك القوى الإسلامية، وتحديداً “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، فضلاً عن كون الأولى على تواصل معه في هذا الشأن.
والقوائم الأخرى
تعود “أمّ الجماهير”، كما تصف حركة “فتح” نفسها، إلى ماكينة الانتخابات، لتجد قوائم شبه معلنة، وكلها ذات صلة بالحركة:
هناك القائمة الرسمية.
ثم قائمة دحلان والبرغوثي.
قائمة الحرس القديم مع ناصر القدوة.
فضلاً عن إمكانية ترشّح قيادات سابقة في قوائم منفردة أو مع فصائل أخرى.
وتبقى الأزمة الكبرى هي ترشّح البرغوثي لموقع رئيس السلطة.
ومعضلة حماس قد تجد حلاً
تراجعت حماس عن أكثر من شرط لإتمام صفقة التصالح وعقد الانتخابات.
شددت قيادة حماس على إجراء الانتخابات الثلاثة (البرلمانية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني) بالتزامن. وهذا لأنهم لم يثقوا بأن عباس سيفي بكلمته، بإتمام إجراء بقية الانتخابات، بمجرد إعادة انتخابه رئيساً.
وتمسكت حماس بأن تُنهي السلطة الفلسطينية تعاونها الأمني المكثف مع إسرائيل، وحملات الاعتقال التي تشنها في الضفة الغربية.
ورفض محمود عباس الطلبين منذ شعر بأن ترامب في طريقه للرحيل من البيت الأبيض.
لكن حماس وافقت على الصفقة بعد أن حصلت على ضمانات بأن 38 ألف موظف عمومي في غزة لن يتقاضوا رواتبهم المتوقفة من السلطة الفلسطينية فحسب، بل وتثبيت في وظائف دائمة.
كما سيتم تشكيل محكمة انتخابات جديدة بديلاً عن المحكمة الدستورية التي أنشاها عباس، ولطالما أبدت انحيازاً شديداً له في قراراتها.
وهذا مكسب إجرائي واضح، بعيداً عن “تركيبة” عباس في المحكمة الدستورية.
ثم إن انخراط حماس في الاتفاق مع السلطة سيمنحها قدراً من التعاون الدولي معها، بما يشمله ذلك من استئناف العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
علاوةً على ذلك، يُزعم أن الاتفاق يعني أن أحداً لن يستطيع تجريم المقاومة.
لكن المعارضة داخل حماس لا ترى “ضمانات” في كل هذا.
إبراهيم حامد، أحد أبرز قادة حماس في السجون الإسرائيلية، اعتبر في في رسالة مسربة من محبسه أن حماس واقعةٌ في موقف لا يحتمل إلا الخسارة.
إذا فازت في الانتخابات، ما الذي يمنع تكرار سيناريو 2006؟
وإذا خسرت فهل تسلم حماس السلطة وصواريخها إلى فتح في غزة؟
وحتى لو حافظ عباس على كلمته وشكّل حكومة وحدة وطنية حقيقية وسُمح لأعضاء حماس بالعودة إلى البرلمان، فما الذي يمنع إسرائيل من اعتقال نواب الحركة كما تفعل الآن؟
أسئلة تبقى بلا إجابات حاسمة!
ماذا تعني عودة دحلان إلى قطاع غزة؟
الأسابيع التي سبقت حوارات القاهرة شهدت توافد قيادات تيار القيادي المفصول من حركة “فتح”، محمد دحلان، إلى غزة، وفق اتفاق بين التيار و”حماس”.
يلقي دحلان بثقله داخل القطاع حالياً بدعم إماراتي – مصري.
بعد قوافل المساعدات الطبية الأخيرة، ومع أنه تبيّن انتهاء صلاحية غالبيتها، أعلن تياره إرسال 20 ألف لقاح “سبوتنيك في” الروسي إلى الطواقم الطبية الغزّية على أنها مقدمة من الإمارات، واعداً بإرسال الكمية نفسها شهرياً.
لقاحات الإمارات – دحلان جاءت بعد أيام من وصول 2000 لقاح من النوع نفسه، مقدمة من السلطة الفلسطينية.
اللقاحات في النهاية رسائل انتخابية.
واستعدادات دحلان لم تتوقف عند هذا الحدّ.
هو يستعدّ لتوسيع رقعة المساعدات التي يُوزّعها لتشمل عشرات آلاف الأسر.
ولديه مشاريع للمساعدة في الزواج والإنجاب وعلاج الحالات المرضية بعشرات ملايين الدولارات.
كما يسعى لتطوير أدواته الإعلامية باستقطاب إعلاميين من غزة وخارجها، وتطوير عدد من المواقع الإخبارية والفضائية الخاصة به.
وهي لعبة انتخابية أخرى.
يأمل دحلان بمساعدة الإمارات أن تترجَم هذه المساعدات كأصوات تصبّ في مصلحته في الانتخابات، وأن يصبغ تياره بالشرعية بما يؤهّله لوراثة “فتح” بعد التخلُّص من رئيسها، محمود عباس.
ويقول الصحفي البريطاني ديفيد هيرست إنه منذ عام 2016 لم تتوقف مصر والأردن عن الضغط على عباس للمصالحة مع دحلان. وأوصل رئيسا الاستخبارات المصرية والأردنية الرسالة ذاتها إلى عباس عندما زارا رام الله مؤخراً.
وبحسب هيرست، فإن مصر والأردن والإمارات، الدول التي تسعى لإيصال دحلان إلى منصب زعيم السلطة الفلسطينية المقبل، تحرص على استغلال انعدام الثقة القائم بين فتح وحماس. وآخر علامة على ذلك هي وصول أول مجموعة كبيرة من رجال دحلان إلى غزة، بعد سنوات طويلة في المنفى، ولم يكن ذلك ليحدث إلا بموافقة من قادة حماس في غزة.
وليس أمامهم أي خيار سوى المصالحة
يدخل الانقسام بين حركتي فتح وحماس، واستتباعاً بين الضفة الغربية وقطاع غزة، عامه الخامس عشر.
وهو انقسام كارثي على القضية والشعب الفلسطينيين.
كم مرّة تذرعت إسرائيل بضغوط من السلطة الفلسطينية لتشديد الحصار على قطاع غزة وسكانه الذين يزيدون على المليونين!
إسرائيل توظف الانقسام لخنق غزة، ولإضعاف موقف الرئيس محمود عباس، بذريعة أنه لا يحظى بإجماع فلسطيني.
لذلك يبدو أن الجولة الأخيرة من جهود المصالحة الفلسطينية هي الأكثر جدية حتى الآن.
“لقاء القاهرة جاء على خلفية عدم وجود خيار أمام الفلسطينيين إلا أن يخرجوا بموقف موحد مع الأخذ بالاعتبار الإدارة الأمريكية الجديدة”.
الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة هو صاحب هذا التحليل، يضيف: “الولايات المتحدة هي الراعية الأساسية للعدو الصهيوني وأصبحت الراعية لكل الأنظمة العربية في المنطقة وتوجههم للتعايش مع العدو”.
أكثر من ذلك، يخشى النخالة أن تكون الانتخابات بالصيغة التي تم التوافق عليها هي بداية صراعات داخلية جديدة، “ذهبنا إلى ميدان المصارعة وهو الانتخابات، ومن يكسب يفرض الشروط وهذا ينطوي على مخاطر كبيرة”.
رغم ذلك، يبدو التوافق على الانتخابات خطوة تهدف لدفع عجلة المفاوضات مع اسرائيل.
والانتخابات محسوب لها دولياً وإقليمياً أن تنتج حكومة تذهب لطاولة المفاوضات أياً كان الناجح فيها والذي لا يقبل يتعرض للعقوبات
لماذا يبدو الصلح “فريضة” وطنية الآن؟
تعثرت مفاوضات المصالحة أكثر من مرة لأسباب متعددة، أهمها غياب الإرادة الحقيقية لإنجاز المصالحة، وعدم الاستعداد لشراكة حقيقية في مؤسسات السلطة والمنظمة، كما عبر عن ذلك الرئيس السابق للمكتب السياسي لحماس خالد مشعل.
هذه المرة تختلف كل العناصر والظروف:
يشهد العالم اليوم مرحلة جديدة بعد فوز الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يتبنى السياسات التقليدية للولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية، ما قد يعيد المسار بشأن القضية الفلسطينية لحل الدولتين والعمل على إدارة الصراع بطريقة أكثر اتزاناً من مرحلة الرئيس السابق ترامب.
يشهد الإقليم مجموعة من التحركات التي من شأنها أن تؤثر على الساحة الفلسطينية، أهمها موجة التطبيع العربية مع دولة الاحتلال.
رياح المصالحة الخليجية الداخلية تحمل احتمالات تغيير قواعد “الدعم الإقليمي” لكل فصيل فلسطيني.
الضغوط التي يقودها الاتحاد الأوروبي لتجديد الشرعية لمؤسسة السلطة الفلسطينية.
جهود دول أخرى مثل تركيا ومصر وقطر لدعم الأوضاع المعيشية والسياسية للفلسطينيين.
لم تعد الانتخابات تثير أسئلة كثيرة وشائكة، ومهما جاءت النتائج فالمطلوب دولياً وعربياً هو الوصول إلى محطة التفاوض بين الفلسطينيين مع إسرائيل.
توحيد الجبهة الداخلية الفلسطينية يدعم الوضع الفلسطيني الداخلي بموجب نتائج الانتخابات، والخروج من سيطرة إسرائيل على الاقتصاد وحرية التنقل، وربما تختفي بعض القيادات الفلسطينية والإسرائيلية وتبرز قيادات جديدة، كما يرى المحلل الفلسطيني مروان كنفاني.
“جميع الأطراف جادة في إنهاء الانقسام وإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن.. ومع ذلك، نحتاج قبل الانتخابات إلى حسن النية بين الأطراف ووقف التحريض. ومن أجل المضي قدماً، نحتاج إلى تجنب الخوض في التفاصيل الصغيرة التي يمكن أن تعرقل العملية”.
هكذا تحدث رئيس العلاقات الخارجية في منظمة التحرير الفلسطينية،