بعد الحادثة سيئة الذكر التي قام فيها بعض الأطر الطبية بتصوير عورة شخص شاذ والتهكم عليه، تحدثت الدكتورة وداد أزداد عن الفيديو وعن فداحة خطأ أولئك، ثم بعد ذلك خصت الحديث عن “السر الطبي” بتدوينة، قالت فيها:
“المعاملات والأخلاقيات جزء لا يتجزأ من المهنة الطبية أو التمريضية بسبب خصوصيتهما، ولكن احترامهما لا يكون دائما في الموعد بسبب خلل المنظومة ككل والخصاص الكبير والمتزايد في عدد الأطر الصحية الذي يؤدي إلى نقص جودة الخدمات الصحية وظهور ممارسات لاأخلاقية كنتيجة حتمية.. حيث قد يرى المتدرب في المشفى تصرفات من المفترض أنها غير عادية ويتطبع معها بمرور الوقت.. فيحدث مثلا أن تجد 4 أشخاص يتم فحصهم في نفس القاعة من دون حواجز بسبب الضغط الكبير، حيث يكاد عشرات المرضى المنتظرون يسحقون الطبيب الداخلي بمجرد أن يحاول الخروج لإدخال مريض وبالتالي يضطر لإدخال عدة أشخاص في نفس الوقت تفاديا للثورة ولأنه مغلوب على أمره ويتم تحميله فوق طاقته، أو قد يتم منح حقنة عضلية لمريض في أردافه من دون وجود حاجز paravent لأن هذا الأخير لا يتواجد ببساطة، ولأن المكان ضيق والمرضى يملؤون كل الجنبات.. ولكن التربية الحسنة والأخلاق والضمير الحي يحولون دون استفحال الأمر في الكثير من الحالات، رغم أن التكوين سواء كان نظريا أو تطبيقيا يظل جد قاصر..
خلال دراستنا الطبية، فلم نُلقَن دروسا بهذا الشأن إلا في مادة الطب الشرعي في سنتنا الخامسة وكانت سطحية وغير كافية حسب اعتقادي بالرغم من كونها محورية، خاصة فيما يتعلق بحيثيات العلاقة بين الطبيب وزملائه وبينه وبين المرضى، بالإضافة إلى السر الطبي الذي تصعب الإحاطة بكل جوانبه ويطرح خرقه مشاكل، كان اَخر تمظهراتها هو الفيديو المعلوم.
السر الطبي يشمل كل المعلومات التي يطلع عليها الطبيب بحكم عمله واحتكاكه بالمريض.. فلنتخيل مثلا أنك تعرف أن مريضك يود العمل في شركة، فإذا كشفت مشكله الصحي للمشغل ستكون بذلك قد اَذيته وانتهكت سره وعرضته لرفض طلبه.. أو لنتخيل أن صديقك أراد خطبة فتاة، ولكنك نصحته بتجنبها لأنها مريضة مرضا غير معدي بعدما استأمنتك على سرها كطبيب، في هذه الحالة أيضا تكون قد تدخلت فيما لا يعنيك.. وكذلك الشأن بالنسبة لحديثك عن أمراض الناس للآخرين ضد رغبتهم لما قد يسبب لهم ذلك من حرج أو شعور بالنقص أو النبذ.. ومن بين الاستثناءات لهذا المفهوم الإعلام بمرض معدي سواء كان منقولا جنسيا أو غير ذلك، قد يعرض الشريك أو غيره للخطر.. أو فضح المريض للشرطة للحيلولة دون ارتكابه لجريمة مثلا.. فالقاعدة عموما هي “لا ضرر ولا ضرار”، وإن كان التطبيق ليس بهذه السهولة دائما..
التحلي بتربية سليمة يحد من الانتهاكات، فأنت لن تحتاج لتوصي طبيبا متخلقا بإغلاق الباب قبل فحص المريض وكشف عورته مثلا.. ولكن كما في كل المهن ستجد الصالح والطالح، لأن الطبيب مراَة للمجتمع، والخروقات توجد في جميع المجالات.. وأتذكر في هذا الصدد طبيبة الأشعة التي وجدتها وقد تركت الباب مفتوحا أثناء فحص صدى مهبلي خلال حراسة لي في سنة ثالثة طب، حيث كانت عورة المريضة مكشوفة، في الوقت الذي كان فيه شاب وجدُّه المحتضر قبالة الباب، وعندما وصلت كان الجد فاغرا فاه فوق سرير موته وهو يتأمل في المريضة العارية لدرجة أنه نسي احتضاره وقفز من مكانه عندما صفقت الباب بغضب.. كان الضغط على الطبيبة كبيرا فعلا ولكن هذا لا يبرر فعلتها، وفي نفس الوقت فإن ما اقترفته لا يعني أن كل الأطباء سواء.. فلا يجب التعميم في كل الحالات، والأطباء والممرضون ليسوا ملائكة ولا جزارين في مجملهم.
هذا وأريد الإشارة إلى أن سوء فهم السر الطبي والهدف منه يمتد أحيانا ليشمل حتى العاملين بالقطاع الصحي، فإذا كان يجدر بك ألا تكشف إصابة شخص بالسيدا لمشغله مثلا، فلا ينبغي كتمانه على المشرفين على علاجه.. ولكن هذا ما حدث في مصلحة الطب الباطني عندما كنت في السنة الخامسة طب مثلا، حيث كنت مكلفة بمريضتين مصابتين بالإيدز (توفيتا لاحقا)، فإذا بي أُفاجَأ بأن الممرضات المتدربات يمسكن الـchariot وقد تلطخت قفازاتهن بدم المريضتين بعد العناية بهن، ولما أشرت لخطورة الأمر وضرورة التحلي بالحيطة والحذر، أجابتني إحداهن أن أحدا لم يخبرهن بذلك. وبعد التحري عن الأمر مع الممرضة المشرفة، أخبرتني بأنها لم تخبرهن بداء المريضتين بأمر من الطبيبة المشرفة في إطار السر الطبي، وهو ما يعتبر كارثة حيث تم تعريض الكثيرين لخطر العدوى بسبب فهم سيء لمبدأ السر الطبي.. ولكن الأدهى والأمر هو عندما سألتني إحدى الممرضات المتدربات عن طرق العدوى بالسيدا وهو ما يعني أن هناك مشكلا كبيرا في التعليم والتكوين أيضا، لأن وسائل انتقال الفيروس يجب أن تكون معروفة من جميع التلاميذ فما بالك بمشتغل بالقطاع..
الخلاصة هو أنه يجب الاهتمام أكبر بتلقين المبادئ والمفاهيم المؤسسة لأخلاقيات الطب والتمريض، خاصة في ظل انتشار وسائل التكنولوجيا ويسر التصوير والنشر وبالتالي سهولة حدوث الخروقات والفضائح وإلحاق الأذى بالمرضى”.