الدنيا “دوّارة”.. المتهافتون على محلات الجزارة بين شكوى الأمس ولهفة اليوم

رغم القرار الملكي السامي القاضي بإعفاء المغاربة من عبء أضحية العيد هذه السنة، في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية ضاغطة نتيجة السياسات الحكومية، إلا أن مشاهد الأسواق الشعبية في مختلف ربوع البلاد تعكس صورة مغايرة تمامًا، حيث أن الأحياء تعج بالحركة، والمواطنون يتهافتون على اقتناء “الكبدة والدوارة”، وحتى الأضاحي، وكأن شيئًا لم يكن.

في السنة الماضية، لم تكن مواقع التواصل الاجتماعي تخلو من شكاوى الغلاء، وتذمّر المواطنين من جشع الشناقة والوسطاء، واتهامات للحكومة بعدم قدرتها على ضبط السوق، فقد كان الخطاب العام يتجه نحو التشكيك في جدوى ذبح الأضحية وسط الأزمة، بل إن بعض الأصوات دعت إلى تعليق شعيرة العيد، أو البحث عن بدائل رمزية تضامنية، وخلال هذه السنة وبعدما استجاب الملك محمد السادس لتلك الأصوات، باتخاذ قرار تاريخي بإعفاء المواطنين من عبء الأضحية هذه السنة، في رسالة إنسانية قوية تعكس عمق تفاعله مع نبض المجتمع، وتقديره للظرفية التي تمر بها فئات واسعة من الشعب، نرى تهافت من كانوا يشتكون بالأمس نحو محلات الجزارة لشراء “الدوارة” بأثمنة خيالية.

لكن، وبشكل يكاد يبدو متناقضًا، سرعان ما قلبت الأيام الموازين. ففي الأسواق، مشاهد الطوابير أمام محلات الجزارة، و”الخرفان” التي تُحمل على متن السيارات والدراجات الثلاثية، والتدافع لشراء “الدوارة” و”الكرشة”، تعكس اندفاعًا جماعيًا نحو طقوس العيد، ولو بشكل جزئي، بحيث أن بعض العائلات التي كانت تشتكي العام الماضي من الأسعار المرتفعة، عادت هذا العام لتبحث عن “جُدْي صغير” أو “حولي معقول”، ولو على حساب ميزانيتها الشهرية.

فما الذي تغير؟ أهو الحنين إلى التقاليد التي يصعب على المجتمع المغربي الانفكاك منها، أم هو نوع من العناد الاجتماعي في وجه القرارات، حتى وإن جاءت تخفيفًا ورحمة؟ وهل نحن أمام ظاهرة نفسية جماعية تفضل “الضغط” ام هي شيزوفرينية مجتمعية على النفس بدل مخالفة العرف؟ أم أن ثقافة المظاهر لا تزال تسيطر على اختيارات الأسر، التي ترى في الأضحية “شرفًا اجتماعيًا” لا يمكن التخلي عنه؟

لا شك أن للديناميكية الاجتماعية والثقافية دور كبير في تفسير هذه المفارقة، فالعيد، في المخيال الجمعي المغربي، ليس مجرد طقس ديني، بل لحظة للانتماء والتكافل والفرح، يصعب التخلي عنها حتى في أصعب الظروف. غير أن المفارقة المؤلمة، أن هذا التمسك العاطفي بالمظهر قد يُضعف الرسائل الملكية الحكيمة، التي وُوجهت بروح المسؤولية والرأفة، من أجل التخفيف على الناس، لا إثقالهم بمزيد من القروض والمصاريف.

الدنيا دوارة، تقول الحكمة الشعبية. لكن المؤسف أن البعض يدور في حلقة مفرغة من التذمر والمبالغة، من الشكوى والاندفاع، من رفض الغلاء والسقوط في فخه طوعًا. وبين القرار الملكي النبيل والتصرف الشعبي المتناقض، يبدو أن العقل الجمعي المغربي بحاجة إلى وقفة تأمل، ومصالحة مع أولوياته الحقيقية، بدل اللهاث وراء قوالب اجتماعية قديمة لم تعد تناسب زمن الأزمات والتحديات.

وفي الاخير نقول لقد سقطنا في الفخ  لا نحن ادينا الشعيرة الدينية كما يجب

ولانحن حافظنا على القطيع الوطني

ولا نجن استجبنا  للنداء الملكي الذي اهاب فيه بعدم  دبح الاضاحي

ولا نحن حاربنا الغلاء

ونحن عيدنا مثلنا مثل الباقي

الدنيا “دوّارة”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *