يصر الملك محمد السادس كعادته على الخروج عن المألوف، لينحث على لوح التاريخ حدثا فريدا من نوعه في المشوار السياسي لمغرب القرن 21
فبعيد استقباله لعبد الإله بنكيران الإثنين الفارط وتعيينه رئيسا للحكومة قبل أن يوكل إليه تشكيلها وانكباب هذا الأخير على بلورة تحالفات جديدة ، أبى الملك محمد السادس إلا أن يقوم بهذه الالتفاتة النابعة من حس إنساني راق تجاه أيقونة وطنية بارزة في تاريخ المغرب المعاصر،عبد الرحمان اليوسفي الذي يقاوم في مصحة بالدار البيضاء من أجل استرجاع عافيته.
ففي تناغم كامل مع مبادئه كملك، وفي انسجام مع حسه المرهف كملك للقرب، اقتص محمد السادس وقتا ذهبيا من برنامجه، وفضل أن يزور وزيره الأول الأسبق، عبد الرحمن اليوسفي في غرفته بالمصحة، للاطمئنان على صحته عن كثب من جهة، ولبعث الاطمئنان في نفس هذا السياسي المحنك حتى يتجاوز وعكته الصحية من جهة ثانية.
يسجل الملك محمد السادس من جديد موقفا نبيلا آخرا، ناذر جدا، حينما ينحني للزعيم الاتحادي الذي ساهم من خضم تجربة التناوب في سلاسة انتقال الحكم بين ملكين، ليقبل رأسه بتواضع الإنسان الذي يسكنه. إنها انحناءة تقدير وقبلة اعتراف بمكانة اليوسفي عند الجالس على العرش.
لقد أبان الملك محمد السادس من خلال تقبيله لرأس اليوسفي أن الملكية لا تتنكر لخدام المملكة، وأنها لا تتوانى في تكريم من ينقشون بصمات عميقة في المسلسل الديمقراطي للبلاد، وأنها فوق كل هذا وذاك ملكية مواطنة، يمشي رمزها بين الناس، يجوب الشوارع والدروب ويعود المرضى ويتأثر حين تلم بالمخلصين للعرش نائبة.. إنها قبلة عرفان من ملك يخرج عن المعتاد لزعيم قل نظيره.