المنبر الحر – : محمد السعيد مازغ – بتصرف
الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد اليوم، تختلف كثيرا عن تلك التي كانت تشغل بالنا بالأمس، فقد تأكد أن أدنى فعل متهوّر، أو حركة طائشة يمكن ان تكون بداية مشوار طويل من المعاناة الحقيقية مع وباء كورونا المستجد بالدرجة الأولى، ومع مستشفياتنا في المرتبة الثانية، ومع المتطلبات المادية والمصاريف الباهضة التي ترافق العنصرين السابقين معا.
بعض المشكِّكين يدَّعون أن فيروس كورونا المستجد مجَرَّد وَهْمٍ وليس حقيقة ، وهم يستنكرون على السلطات المحلية التشدُّد في بعض الإجراءات، وملاحقة المتهوِّرين ممن لا يعيرون بالاً للتعليمات المطالبة بضرورة الالتزام بالبيوت وعدم مغادرتها إلا عند الضرورة القصوى، والإمعان في النظافة والتعقيم ، وارتداء الكمامات وتجنُّب المخالطات والمصافحة باليد أو الوجه، واحترام مسافة التباعد الجسدي…
بعض الفاعلين من جمعيات المجتمع المدني، وهم قِلَّة بالنسبة للأعداد الغفيرة التي لا تسمع عنها إلا في الانتخابات أو عند المنح والدعم المادي المخصص للجمعيات، هذه القلة القليلة، بادرت بالعمل التَّطوعي وساهمت في التحسيس والتوعية بطرق الوقاية من الجائحة، والبعض الآخر، فضل التَّنْظير والمشاركة في الندوات واللقاءات التي تجرى عن بعد، واهتم معظمهم بالحالة الصحة العمومية، وتداعيات الجائحة، وانعكاساتها السلبية على الاقتصاد وعلى الساكنة بصفة عامة، فضلا عن التحليلات الرامية إلى رصد الاختلالات، والتراكمات السياسية التي أدت إلى التفريط في الكفاءات المغربية التي أصبحت اليوم يعتمد عليها دوليا في إيجاد مخرج من هذه الجائحة، وتقاعس مختبراتنا في البحث بدورها عن لقاحات تُنْقِد ضحايا الجائحة وتعيد الحياة إلى طبيعتها ، وعودة المغاربة العالقين بالخارج إلى وطنهم الأم
الغالبية انشغلت بالتفاهات، وأصبح همها الوحيد تصفية الحسابات السياسية، وخصوصا منها الاعلام الرخيص وتقطير الشمع على المسؤولين المحليين والوطنيين ، والانشغال بمحاكمة الفنانة باطما وعصابة حمزة مون بيبي، والعشاب الذي يدعي اكتشافه للقاح كورونا، والراقي الذي يصرع الجن، وتيك توك وغيرها من الترهات التي تعج بها قنوات الصرف الصحي او المسماة التواصل الإجتماعي.
على العموم ، لا تستحق مثل هذه التكهنات و” الخزعبلات ” أن تشغلنا عن التفكير فيما نحن مُقْـبِلين عليه من تحولات سوسيو إقتصادية ثقافية وسياسية، و من بناء التوازنات على مستوى تعبئة كل الطاقات والإمكانيات الفكرية والعلمية والطبية والعسكرية والمالية والتدبيرية..وتسخير كل الوسائل البشرية التي نتوفر عليها لمواجهة هذه الجائحة، خاصة في هذه اللحظات التي أبرزت السلطات المحلية إمكانيات هائلة وقدرات على احتواء مجموعة من الظواهر السلبية، ولعب دور أكثر فعالية في التنمية الوطنية نتيجة لقُربها من المواطنين وبالتالي فهي أكثر قدرة على تحديد المشاكل والتحديات والطموحات، وللأسف فهي غالبا ما تتلقى التعليمات وتطالب بتنفيذها، ولا يؤخذ برأيها قبل صدور القرارات ،
ومن مميزات المغرب وجود كفاءات وأطر تستحق التشجيع، والتكريم ورفع القبعة احتراما لها منها أصحاب الوزرة البيضاء من أطقم طبية وتمريضية، ورجال الأمن، والدرك الملكي، السلطات المحلية وفي مقدمتها الباشوات، والقياد، وخلفائهم،والشيوخ و المقدمين،وعناصر القوات المساعدة والوقاية المدنية، ورجال ونساء الإعلام ،…. دون أن ننسى الحلقة الضعيفة التي تشتغل في صمت ولا يكاد يلتفت إلى مجهودها أحد وهم عمال النظافة وأعوان الخدمة.
مِن هؤلاء الجنود الذين يعملون في الصفوف الأمامية، وفي المواجهة اليومية مع المواطن والأخطار الوبائية المحيطة به، السلطات المحلية، هذه الفئة التي غالبا ما يُـتوقف النظر إلى مهامها ومسؤولياتها الجسيمة عند نصف الكأس الفارغ، فلا أحد يسأل عن حالها وأحوالها، عن أوقات أكلها ونومها واستراحتها، عن مواجهتها اليومية للمخاطر، وخوفها من نقل العدوى إلى ابنائها وذويها، عن الإكراهات التي تواجهها يوميا، ولا تجد سندا حقيقيا تفشي له لواعجها وتَـبُثُّ له شكواها، سندا يحميهما من لسعات المغرضين، ومن طعنات الحاقدين، ومن كيد الكائدين، يُدخِل البعض أسلوب تعاملها مع المواطنين في باب الشطط في استعمال السلطة، والكيل بالمكيالين، تُـتَّهم بعدم مراعاة المواطن المتأزم نفسيا، المتضرِّر ماليا، المتحطم معنويا، وتُطالَب بأن توفِّر للمواطن سُبُل الراحة والمؤونة، وتَمدُّه بالمعقمات ووسائل النطافة.. لا يهم كيف؟ ومن أين ؟ فرجل السلطة في عيون البعض هو المفتاح لمشاكل الساكنة، المسؤول على توفير حاجياتها ، الساهر على نظافة الحي، وعلى الكهرباء وقنوات الصرف الصحي، وعلى القاطن المستقر، والراحل المتنقل.
جانب آخر لا يقل أهمية، على امرأة أو رجل السلطة، مسؤولية مراقبة ومحاربة من يخرقون قانون التعمير، ويستغلون للملك العام، ويتمادون في خرق الحجر الصحي وحالة الطوارئ..وكل مهمة من هذه المهام تتطلب مجهودا فكريا وجسديا، ولا يحق للمسؤول أن يمرض أو يتمارض، أو ينتقد ويعارض أويرفض التعليمات.
الخصوم يعتبرون مراقبتهم مدى احترام المواطن لمسافة التباعد الجسدي في المقاهي وداخل المجالات الخضراء تعسفا، ومطاردتهم للعربات المجرورة والباعة المتجولين ظلما وعدوانا، ومتابعتهم للحالة الوبائية للاحياء داخل النفود الترابي، ووضع الحِجْر على البؤر، و اقتحام الوحدات الصناعية تهجما على الحريات، وضربا للديمقراطية.
ومن المهام الملغومة، مطالبتهم بمراقبة ما يجري داخل الحمامات العمومية، وصالات التدليك، والتأكد من ان كل زبون يتوفر على أدوات الاستحمام الخاصة به، وانه يحترم مسافة التباعد، وللإشارة ، فلا يسمح لأي كان من المستخدمين، ان يقدم للزبون المساعدة، فسَيّاق الحمّام او المُدَلِّك ممنوع من مزاولة عمله الى إشعار آخر.
ناهيك عن تحرير محاضر المخالفات، وتسليم الرخص النقل الاستثنائية، وتوقيع الشواهد الإدارية، وتقديم المساعدة للمرضى والمحتاجين وذوي الإعاقات..،
مهام كثيرة ومتنوعة ازدادت حدة مع تداعيات جائحة كورونا، إلى جانب الموارد البشرية القليلة المؤهلة والغير مؤهلة، وظروف صحية ونفسية وعائلية متأزمة، تتطلب على الأقل تحفيزات مادية، وترقيات تشجيعية.
هذه الفئات تشتغل في صمت، ممنوعة من الحق في الانتماء السياسي والنقابي والجمعوي، لا تجد من يتفهم معاناتها، وينصت لأنينها، محرومة من العطلة السنوية، ومن حقها في الراحة والساعات القانونية، ومن التحفيزات المادية والمعنوية وغيرها ، خاصة أولئك الذين يشتغلون في مناطق ذات الكثافة السكانية والمساحات الشاسعة ..، مثل قيادة أيت فاسكا سيدي داود إقليم الحوز، تحناوت ، أغواطيم، وزكيطة … وفي المجال الحضري قيادة سعادة، وسيدي يوسف بن علي ، مراكش الباهية، الحي الشتوي ،المحاميد…