هشام شكار
كان من الممكن أن أصدق الخبر الوارد على الصفحة الأولى من جرائد اليوم. تنحيت خفافا بين حواري باب مراكش و الجريدة، يرافقني أصيل الخريف بغروب شموسه صوب محل الصياغة ….
الخلوة التي ينصهر وجداني بكل صدق، كسنابك المعدن النفيس. بين الأضواء المنبعثة من مصابيح اقتصادية ، على فكرة أشعتها قد تسبب في مرض السرطان و الله أعلم؟
جلست كالعادة على كرسي واطئ صنع من قوائم خشبية شدت بحبال عشبة الدوم.
محدثي المعلم الحسين لا يجامل أحد ….رمقني بطلقة مكاشفة :
” لقد ورد اسم المملكة في مضمون بلاغ للخارجية الإسرائيلية، يحذر من زيارة بلاد المغرب المصنف، على حد تعبير البلاغ، من بين الدول المهددة بعمليات إرهابية قد تستهدف رعايا الدولة العبرية.
و في نفس الوقت تزامن التحذير المذكور مع وصول المئات من الحجاج اليهود إلى مطار موكادور بمدينة الصويرة المغربية قادمين من كافة قارات العالم، منهم من أمضى أزيد من 24 ساعة من الطيران للوصول إلى مدينة السلطان سيدي محمد عبد الله، قصد الانتشاء الروحي بإحياء ليلة هيلولة بمرقد الحاخام حاييم بينتو بالمقبرة اليهودية و القيام بشعائرهم الدينية.
ومن بين الحجاج اليهود من اعتاد على زيارة مدينة الصويرة في كل موسم و بعضهم كان لأول مرة تطأ قدماه أرض المغرب. أغلبيتهم أسر و عائلات كبيرة فرقتهم المسافات و جمعتهم موكادور كما عهد سلفهم”
دوخني المعلم الحسين و هو يعد إبريق الشاي، لعن الكيان الصهيوني و حمله مسؤولية جريمة التفرقة والتهجير القصري لليهود المغاربة صوب الله أعلم ؟؟؟
روبير يهودي من أصول مغربية، كان من بين مريدي حاييم بينتو، ولد و نشأ في إسرائيل مستهل الثمانينات، يعاني من شبه إعاقة يرد على نظرات المارة بابتسامة مبتهجة، بين واجهات محلات الصياغة و بلغة مخلوطة بالدارجة و الفرنسية، طلب من الصائغ تلحيم خاتم ذهبي مفصح بتلقائية، أعرب أن الخاتم تمت صياغته بمدينة الصويرة في مطلع الستينات من القرن الماضي، و يعود لجده الذي كان يسكن بحي الملاح قبل تهجيره عنوة إلى إسرائيل.
في أقل من ربع ساعة استعاد روبير خاتم جده بعد التلحيم و الصقل، لفه الصائغ بالقطن الأبيض و دسه في علبة من خشب العرعار، وهي المدة الزمنية التي أتاحت لي فرصة لتجاذب أطراف الحديث معه رفقة رشفات كؤوس الشاي الأخضر بالنعناع، عرفت من خلالها أنه إطفائي متقاعد قسرا، عاهة مستديمة لحقته جراء تدخل متهور بمدينة بئر السبع.
عرفته بمن أكون، و خبرته بمصير مروره وقلت له:
” لن تفلت من ترصيص حروفي سوف أكتب عن هواجسك في الصويرة، و من الممكن أن أنشر صفائك على رمال بياض صحاري الورق “
ظل هائما مبتسما يسمع ما يقال له استطردت على مسمعه بسؤال بسيط و مباشر:
” روبير يبدو لي أنك سعيد و مرتاح بتواجدك في مدينة الصويرة المغربية …هل يعتريك نفس التوجس من الإحساس بالأمان في موطنك بالدولة العبرية ؟ “
استل من جيب قميصه أوراق بنك المغرب، وضعها بسخاء على الكنطوار بمحل الصياغة، غير أن الصائغ أزاح الأوراق وانهمك في تفتيش خزينة المحل ليخرج مصوغة ذهبية على شكل الكف المتعارف عليها بالخميسة، طرحها فوق الزجاج و طلب مني ترجمة الكلمة التالية الموجهة لروبير :
“المصوغة الماثلة أمامك من نوع الدق الصويري الصرف، و من صنيع جدك صاحب الخاتم ، ويفوق وزنها 50 غراما من الذهب الخالص، و تعتبر من التراث العالمي للحضارة الإنسانية كأسوار موكادور خدها إنها هدية و شهادة استحقاق لا تنجلي في حق المعلم الكبير” .
المشهد تجاوز الحدود …تلقف روبير مصوغة الكف قبل الصفيحة الذهبية …و ترك جملة من خارج النص : “لقد شاء القدر أن أتنفس بأنفاس جدي المغربي”